فصل: (مسألة: باع أصلاً وعليه ثمرته)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: باع حائطان وأحدهما مؤبر]

وإن كان له حائطان فيهما نخيلٌ أو قطعتان من الأرض وفيهما نخيلٌ، قد أبر أحدهما دون الآخر، ثم باعهما.. فإن المؤبر يكون ثمرته للبائع، والذي لم يؤبر للمشتري.
قال الشيخ أبو حامد: وسواءٌ كانا متلاصقين أو غير متلاصقين إذا تميَّز أحدهما عن الآخر؛ لأن انفراد كل واحدٍ منهما بثمرة حائط لا يؤدِّي إلى الضرر بسوء المشاركة، واختلاف الأيدي.
فإن كان له حائط، فأطلع بعضه، فأبر المطلع، أو بعضه، ثم باع جميع نخل الحائط، وأطلع الباقي بعد البيع.. ففيه وجهان:
أحدهما: أن المطلع بعد البيع للبائع أيضًا؛ لأن ثمرة هذا العام له بالتأبير.
والثاني: أنه للمشتري، ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق" غيره؛ لأنه حادث في ملكه.
وإن أبر بعض الحائط، ثم أفرد الذي لم يؤبر بالبيع.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو الضعيف ـ: أن الثمرة للبائع؛ لأنه قد ثبت لجميع الحائط حكم التأبير بتأبير بعضه.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أن الثمرة للمشتري؛ لأنا إنما جعلنا ذلك للبائع على سبيل التبع للمؤبر إذا بيع معه، فإذا أفرد بالبيع.. لم يتبع غيره.

.[فرع: باع حائطًا مؤبرًا وفيه فحول]

قال الشافعي: (وإن كان فيها فحول نخل بعد أن تؤبر الإناث.. فثمرتها للبائع).
فاعترض معترض على قول الشافعي: (فحول)، وقال: لا يقال في اللغة: فحل، ولا فحول، وإنما يقال للواحد: فحال، وللجمع فحاحيل.
فالجواب: أن الشافعي من أهل اللغة، فقوله حجة، وقد ورد ذلك في لغة العرب، قال الشاعر:
تأبَّري يا خيرة الفسيل ** تأبَّري من حنذٍ فشولي

إذ ضن أهل النخل بالفحول
إذا ثبت هذا: فباع حائطًا فيه إناث وفحول، قد أطلع جميعه، فإن لم يتشقق شيء من الطلع.. فإن ثمرة الإناث للمشتري. وأما طلع الفحول: ففيه وجهان:
الأولـ المنصوص ـ: (أنها للمشتري).
والثاني: أنها للبائع. وقد مضى ذكرهما.
وإن تشقق شيء من طلع الإناث، أو أُبر.. كان الجميع للبائع؛ لأن على قول الشافعي: الفحول كالإناث، وعلى قول ذلك القائل الآخر: إذا أفرده بالبيع.. كان للبائع، فكذلك هاهنا.
وإن تشقق شيء من طلع الفحول دون الإناث.. فعلى قول الشافعي: تكون ثمرة الفحول والإناث للبائع، لأن الفحول عنده كالإناث، وعلى قول ذلك القائل الآخر: تكون ثمرة الفحول للبائع، وثمرة الإناث للمشتري؛ لأن ثمرة الفحول للبائع بالظهور، فلا تأثير للتشقق، فلا يتبع أحدهما الآخر.

.[مسألة: بيع القطن قبل انشقاق الجوز]

قال الشافعي: (والكرسف إذا بيع أصله، كالنخل إذا خرج جوزه، ولم يتشقق.. فهو للمشتري، وإذا تشقق.. فهو للبائع). وهذا كما قال. و(الكرسف): هو القطن، وهو نوعان:
أحدهما: ما يبقى السنتين، والثلاث، وذلك قطن الحجاز والبصرة، وهو مراد الشافعي، وكذلك قطن أبين وتهامة والعراق. وحكم هذا النوع، حكم النخل، فإذا بيعت الأرض وفيها قطن.. كان تابعًا للأرض. وإن بيع القطن دون الأرض.. صحَّ. فإذا بيع القطن مفردًا أو مع الأرض.. نظرت:
فإن كان قبل ظهور جوزه، أو بعد ظهوره وقبل تشققه.. فهو للمشتري، كثمرة النخل قبل التشقق والتأبير.
وإن كان البيع بعد ظهور جوزه وتشققه أو تشقق بعضه.. فهو للبائع، كثمرة النخل إذا أبرت أو تشققت.
والنوع الثاني: وهو ما لا يبقى إلا سنة، وهو قطن خراسان، فهو كالزرع، فإن بيعت الأرض وفيها القطن.. لم يدخل في البيع من غير شرط. وإن بيع القطن دون الأرض.. نظرت:
فإن كان حشيشًا لم ينعقد جوزه، أو انعقد وهو حشيش لم يحصل فيه قطن.. جاز بيعه بشرط القطع. وإن بيع مع الأرض.. صحَّ بيعه من غير شرط القطع.
وإن كان قد عقد جوزه واستحكم قطنه.. قال الشيخ أبو حامد: فلا يصح بيعه أصلا، لا مفردًا، ولا مع الأرض؛ لأن المقصود منه القطن، وهو مغيب مجهول. قال: وكذلك لا يجوز بيعه وإن تشقق جوزه، كالطعام في سنبله. قال: ولا يجوز بيع جوزه في الأرض أيضًا؛ لأن مقصوده لا يُرى، ولأنه مستورٌ بما لا مصلحة له فيه، فلم يصح بيعه فيه، كالتمر في الجراب.

.[مسألة: شجيرات الورد]

وأما غير النخل والكرسف من الأشجار: فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: ما يقصد منها الورد، وهو على قسمين:
أحدهما: ما يخرج ورده في كمام، ثم يتفتح بعد ذلك ويظهر، كالورد، فإذا بيعت الأرض وفيها شجر الورد.. دخل الشجر في بيع الأرض. وإن بيع شجر الورد منفردًا.. صحَّ البيع، وينظر فيه:
فإن كان الورد في كمامه لم يتشقق منه شيء.. فهو للمشتري، كطلع النخل إذا لم يتشقق.
وإن تشقق، وتقلع، وظهر الورد.. فهل للبائع، إلاَّ أن يشترطه المبتاع، كطلع النخل إذا تشقق.
والقسم الثاني: من الورد ما يخرج بارزًا بلا كمام، كالياسمين، فإذا بيع شجره، فإن كان قد ظهر ورده.. فهو للبائع، إلا أن يشترطه المشتري. وإن لم يظهر.. فهو للمشتري.
والضرب الثاني: من الأشجار ما يقصد منه الورق، وهو شجر التوت، فإذا بيع أصول التوت.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد ـ: إن كان قد ظهر من الورق شيء.. فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، وإن لم يظهر منه شيء.. فهو للمشتري؛ لأن المقصود من هذا الشجر الورق، فهو كالثمرة من سائر الأشجار.
ومن أصحابنا من قال: إنه للمشتري بكل حال؛ لأنه بمنزلة أغصان الشجر؛ لأن للتوت ثمرة تؤكل غير الورق.
وإن باع شجر الحناء والجوز والهدس.. فلا نص فيها، فيحتمل أن تكون كالتوت على الوجهين، ويحتمل أن يكون البائع أحق بالورق إذا ظهر، وجهًا واحدًا؛ لأنه لا ثمرة لهذه الأشجار غير الورق.
والضرب الثالث: من الأشجار ما يقصد منه الثمرة، وهو ينقسم أربعة أقسام:
الأول: قسم تخرج ثمرته ظاهرةً من غير كمام، كالتين والعنب، فإذا بيع الشجر، فإن كانت الثمرة قد ظهرت.. فهي للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع، وإن لم تظهر.. فهي للمشتري؛ لأن الظاهر منها كطلع النخل إذا تشقق، وما لم يظهر منها كقطع النخل قبل التشقق.
والقسم الثاني: من الثمار ما يخرج عليه قشرة لا تزال عنه إلا عند الأكل، وهو الرمان والموز، فإذا باع الشجر وقد ظهرت ثمرته.. فإن الثمرة للبائع. وإن لم تظهر.. فهي للمشتري؛ لأن هذه القشرة من مصلحته، وبقاؤه فيها.
قال الشافعي: (وإذا تشقق الرمان.. كان ذلك نقصًا فيه).
والقسم الثالث: من الثمار ما يخرج وعليه قشرتان، وهو الجوز واللوز والرانج. فإن باع الشجر وعليه ثمرته، فإن كان قد تشقق عنها القشر الأعلى..
فالثمرة للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع. وإن باع الشجر قبل أن يتشقق عنها القشرة العليا.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو اختيار ابن الصباغ ـ: أنها تكون للبائع؛ لأن الشافعي قال في "الأم" [3/38] (ومن باع أرضا فيها شجر رمان، أو جوز، أو لوز، أو رانج، أو ما يواريه حائل لا يفارقه بحال إلا عند أكله.. فهو كما وصفت من الثمر البادي بلا كمام؛ ولأن قشره لا يتشقق عنه، فهو كقشر الرمان).
والثاني ـ وهو اختيار الشيخ أبي حامد ـ: أنه للمشتري كطلع النخل إذا لم يتشقق. قال: وأما قول الشافعي: فيحتمل: أنه لم يعلم أن للجوز واللوز قشرتين، أو أراد بالحجاز؛ لأنه لا يكون له بالحجاز إلا قشرة واحدة.
والقسم الرابع: من الثمار ما يخرج وعليه نور، ثم يتناثر عنه النور، كالتفاح والمشمش والخوخ، فإن باع الأصل، وقد تناثر النور عن الثمرة.. فإن الثمرة تكون للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع. وإن كان قبل تناثر النور عنها.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المنصوص في " البويطي "، واختيار القاضيين: أبي حامد، وأبي الطيب ـ: (أن الثمرة للمشتري)؛ لأن استتار الثمرة بالنور كاستتار ثمرة النخل بالطلع، وتناثر النور عنها كتشقق طلع النخل.
والثاني ـ وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفراييني ـ: أن الثمرة للبائع؛ لأن الثمرة قد ظهرت، وإنما استترت بالنور، كاستتار ثمرة النخل بعد التأبير بالقشر الأبيض.
وقال الشيخ أبو حامد: وقد أومأ الشافعي إلى: (أن العنب لا ورد له). قال: وعندي: أن له وردًا، ثم ينعقد.

.[فرع: بيع أصول الثمار]

وإذا باعه أصلاً وقد ظهرت بعض ثمرته.. فإنَّ الظاهر منها يكون للبائع، فإن ظهر باقي ثمرة العام بعد البيع.. فلمن يكون الظاهر بعد العقد؟ فيه وجهان، مضى ذكرهما في التأبير.

.[مسألة: بيع أرض مختلفة الزرع]

وإن باع أرضًا وفيها نبات غير الشجر، فإن كان له أصل يبقى السنتين والثلاث، ويجز مرة بعد أخرى، كالرطبة، وهو القضب، والقضب الفارسي، والنعناع، والهندباء، والبطيخ، والبنفسج، والنرجس.. فإن الأصل يدخل في البيع. فإن كان قد نبت منه شيء حال عقد البيع.. فإن النابت منه يكون للبائع، كالطلع المؤبر. وإن لم يكن نابتًا حال العقد.. فلا حق للبائع فيه، بل ذلك للمشتري، كالطلع الذي لم يؤبر.
قال الشيخ أبو حامد: ومن أصحابنا من قال: النرجس يكون للمشتري بكل حال. قال: وهذا كلام من لم يعرف النرجس، وذلك: أن النرجس له أصل يبقى عشرين سنة، وإنما يحول من موضع إلى موضع في كل سبع سنين لمصلحته.
وإن باع أرضًا وفيها زرعٌ ظاهرٌ.. نظرت:
فإن كان يجز مرة بعد أخرى.. دخل الأصل في بيع الأرض. وما ظهر حال العقد.. فهو للبائع، وما يظهر بعد العقد.. فهو للمشتري. وكذلك الكراث إذا بيعت الأرض التي هو بها.. فإن أصل الكراث يدخل في البيع، وما كان ظاهرًا حال العقد لا يدخل في البيع إلا بالشرط، ويؤمر البائع بأخذه في الحال؛ لأن الزيادة بعد العقد تكون للمشتري.
وإن كان الزرع يؤخذ مرة واحدة، كالحنطة والشعير.. فإنه لا يدخل في بيع الأرض من غير شرط؛ لأن هذا الزرع مودع في الأرض، فهو كالكنز والماس؛ لأنه نماءٌ ظاهرٌ لا يراد للبقاء، فلم يدخل في بيع الأرض من غير شرط، كالطلع المؤبر. وإن قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها.. قال الشيخ أبو حامد: فإن الزرع لا يدخل في بيعها؛ لأنه ليس من حقوقها، بخلاف الغراس.
إذا ثبت هذا: فإن للبائع أن يبقي هذا الزرع في الأرض إلى أن يستحصد.
وقال أبو حنيفة: (يجبر على أخذه في الحال).
دليلنا: هو أن من ابتاع شيئًا مشغولاً بحق البائع.. فإن على البائع أن يأخذ ذلك على الوجه الذي جرت العادة بأخذه، كما لو باعه دارًا فيها طعامٌ للبائع.. فإنه لا يجب عليه نقله إلا على حسب العادة في نقله، ولا يلزم البائع أجرة الأرض إلى وقت الحصاد؛ لأن الأجرة تجب في مقابل منفعة استوفاها بالغصب، أو بالعقد، ولا غصب هاهنا، ولا عقد. فإذا بلغ أوان الحصاد.. فعلى البائع أن يحصد زرعه، فإذا حصده.. نظر فيه:
فإن لم يبقى للزرع عروق في الأرض تضر بها، كالحنطة والشعير.. فقد ارتفعت يده، ولا شيء عليه غير ذلك.
وإن بقي للزرع عروق تضر بالأرض، كالذرة.. فعلى البائع أن يقلع تلك العروق.
فإن حصد البائع زرعه قبل أوان الحصاد.. لم يكن له أن يبدل مكان زرعه زرعًا آخر؛ لأن المستحق على المشتري تبقيه هذا الزرع لا غير.
إذا تقرر ما ذكرناه: فإن أبا إسحاق المروزي قال: إذا باع أرضًا فيها زرع للبائع.. فهل يصح البيع في الأرض؟ على قولين، كبيع الأرض المستأجرة من غير المستأجر؛ لأن الأرض في يد البائع إلى أن يحصد زرعه، كما أن الأرض في يد المستأجر إلى أن يستوفي منفعته.
وقال أكثر أصحابنا: يصح البيع في الأرض، قولاً واحدًا؛ لأن يد المستأجر تحول بين المشتري وبين ما اشترى، ويد البائع لا تحول بينه وبين الأرض؛ لأن للمشتري أن يدخل إلى الأرض، ويتصرف بها بما ليس بمزروع فيها بما شاء من وجوه التصرفات التي لا تضر بالزرع، ولأن هذا لو أشبه الأرض المستأجرة.. لوجب أن يبطل البيع، قولاً واحدًا؛ لأن مدة الإجارة معلومة، ومدة بقاء الزرع مجهولة، وهذا لم يقله أحد.
وإن باع الزرع والأرض، فإن كان الزرع لا حبَّ فيه.. صح البيع مطلقًا من غير شرط القطع تبعًا للأرض. وإن كان في الزرع حبٌّ، فإن كان حبًّا ظاهرًا، كالشعير والذرة.. صحّ البيع فيهما، وإن كان غير ظاهر، كالحنطة والدخن، فإن قلنا بقوله القديم: (إن بيع الحنطة في سنبلها مع سنبلها يصح) صح البيع فيهما وإن قلنا بقوله الجديد: (لا يصح بيع الحنطة في سنبلها).. لم يصح البيع في الأرض والحنطة؛ لأنه يكون بيع مجهول ومعلوم.

.[فرع: اشترى أرضًا كان رآها]

إذا اشترى أرضًا غائبة عنه، وكان قد رآها قبل ذلك غير مزروعة، فوجدها مزروعة، أو اشترى نخلا قد رآها قبل الشراء لا طلع عليها، فوجد عليها طلعا مؤبَّرًا.. قال الشافعي: (فللمشتري الخيار فيهما)؛ لأنه يفوته زرع تلك السنة في الأرض، وتفوته الثمرة في النخل تلك السنة، فيثبت له الخيار، ولأن ملكه يبقى مشغولا بحق غيره، وذلك نقص عليه، فثبت له الرد.

.[فرع: اشترى أرضًا مبذورة]

وإن اشترى أرضًا مبذورة، فإن كان البذر مما يبقى أصله في الأرض سنتين وثلاثًا، كبذر الكراث وما أشبهها من البقول.. دخل البذر في بيع الأرض. وهكذا: إذا باعه أرضًا وقد بذرَ فيها نوى أو جوزًا.. دخل البذر في بيع الأرض؛ لأنه بذر فيها للبقاء، لا للنقل والتحويل. وإن كان بذر زرع يؤخذ إذا استحصد، ولا يبقى أصله، كبذر الحنطة والشعير والذرة، فإن أطلق البيع، ولم يشترط دخول البذرة في البيع.. صح البيع في الأرض، ولم يدخل البذر في البيع؛ لأنه مودعٌ في الأرض يراد للنقل والتحويل، فهو كالزرع، وعلى المشتري تبقية هذا البذر في أرضه إلى أن يستحصد، كالزرع. فإن علم المشتري بأن الأرض مبذورة.. فلا خيار له. وإن لم يعلم أنها مبذورة.. ثبت له الخيار؛ لأن في بقائه في أرضه ضررًا عليه، فثبت له الخيار لأجل ذلك. وإن قال البائع: أنا آخذ هذا البذر، وأمكنه ذلك في زمان لا يضر بمنافع الأرض.. لم يكن للمشتري الخيار.
قال في "الأم" [3/39] (وكذلك: إن رضي البائع بتركه للمشتري.. فلا خيار له)؛ لأنه زاده خيرًا بالترك، فلزمه قبوله؛ لأن فيه تصحيح العقد.
وإن باعه الأرض مع البذر.. ففيه وجهان:
أحدهما ـ وهو المذهب ـ: أن البيع في البذر باطل؛ لأنه مجهول.
فعلى هذا: إن قلنا: إن الصفة لا تفرق.. بطل، أو قلنا: تفرق، ويأخذ الأرض بحصتها من الثمن.. بطل البيع في الأرض أيضًا. وإن قلنا: يأخذ الأرض بجميع الثمن.. صحَّ البيع فيها، وثبت له الخيار فيها؛ لتفرق الصفقة.
والثاني: من أصحابنا من قال: يصح البيع في البذر تبعًا لبيع الأرض. وليس بشيء.

.[مسألة: باع أصلاً وعليه ثمرته]

إذا باع أصلا وعليه ثمرة لبائع.. لم يكلف البائع قطع ثمرته قبل أوان قطعها.
وقال أبو حنيفة: (يجبر على قطعها في الحال).
دليلنا: أن من ابتاع شيئًا مشغولاً بملك البائع.. فإنه لا يجب على البائع أن يأخذ ملكه إلا على الوجه الذي جرت العادة بأخذه فيه، كما لو باع منه دارًا له فيها قماشٌ بالليل.. فإنه لا يلزم البائع نقل قماشه إلا بالنهار، وإن كان في المطر.. لم يكلف البائع نقل متاعه حتى يسكن المطر، ولا يلزمه أن ينقله دفعة واحدة، بل على حسب العادة في نقله، ولم تجر العادة بأن الناس يأخذون ثمارهم قبل أوان جذاذها.
إذا ثبت هذا: فإن كان عنبًا.. فإن له أن يبقي ذلك إلى أن ينضج، ويحلو، وتشتد حلاوته. وإن كان تينًا أو تُفاحًا وغيرهما مما يشبههما من الثمار.. فإلى أن ينضج. وإن كان نخلاً.. فإلى أن يُرطبَ، إلا أن يكون نخلاً لا يصير رطبًا، وهو القرش الذي لا يقطع إلا بُسرًا، فإذا اشتدت حلاوته بسرًا.. فعليه أن يأخذه، فإذا بلغ إلى أول حالٍ يؤخذ فيها.. فعليه أن يأخذها. فإن قال البائع: أنا لا آخذها بل أُبقيها؛ لأنه أنفع لها، وأتم لصلاحها.. فليس له ذلك، كما لو باع دارًا وفيها متاعٌ له.. فعليه أن ينقل متاعه عنها، ولو قال: لا أنقله عنها. لأنها أحرز من غيرها.. لم يكن له ذلك، كذلك هاهنا مثله.

.[مسألة: انقطاع الماء عن الثمر المؤبر]

وإن باع نخلاً، وعليها ثمرةٌ مؤبرة، ولم يشترطها المشتري.. فقد ذكرنا: أن الثمرة للبائع، فإن انقطع الماء، فإن كان تبقية الثمرة على النخل لا تضر بالنخل، أو تضرُّ بها ضررًا يسيرًا.. فللبائع أن يبقي ثمرته على النخل؛ لأنه وجب بإطلاق العقد، ولا ضرر بذلك على النخل. وإن كان تبقية الثمرة تضر بالنخل.. ففيه قولان:
أحدهما: للبائع أن يبقي ثمرته وإن ضر بالنخل؛ لأن ذلك وجب له بإطلاق العقد.
والثاني: يلزمه قطع ثمرته؛ لأنه إنما يملك التبقية إذا لم يضر بنخل المشتري، فإذا كان يضر به.. لم يكن له ذلك. وإن احتاجت الثمرة والنخل إلى السقي.. فلكل واحد منهما أن يسقي، وإن منعه الآخر.. أُجبر الممتنع منهما؛ لأنه لا ضرر على أحدهما بالسقي. وإن كان السقي يضر بالثمرة والنخل.. فليس لأحدهما أن يسقي بغير إذن صاحبه لأنه يضر ولا ينفعه ويضر غيره وإن كان السقي ينفع أحدهما دون الآخر، فإن اتفقا على السقي أو على ترك السقي.. جاز؛ لأن الحق لهما. وإن دعا إلى السقي من له فيه منفعة، وامتنع من عليه ضرر في السقي ففيه وجهان:
الأول: قال أبو إسحاق يفسخ العقد بينهما؛ لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر، ففسخ العقد بينهما.
والثاني: قال أبو علي بن أبي هريرة: يجبر الممتنع منها؛ لأنهما دخلا في العقد على ذلك، وكل من أراد السقي.. فأجرة السقي عليه؛ لأن منفعته تعود إليه.
فإن اختلفا في قدر السقي، فقال البائع: تسقى في كل عشرة أيام سقية، وقال المشتري: بل في كل عشرين يومًا سقية.. رجع فيها إلى أهل الخبرة بذلك، فما احتيج إليه.. أجبر عليه الآخر إذا قلنا: يجبر.

.[فرع: شراء شجرة في أرض]

ذكر الطبري في "العدة": إذا اشترى شجرة في أرض.. ملك الشجرة، وله تبقيتها في أرضها إلى أن تستقلع، وهل يكون قرارها داخلاً في البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه داخل في البيع؛ لأن قوامها به، فجرى مجرى أصل الشجرة.
فعلى هذا: إذا انقلعت هذه الشجرة.. كان له أن يقيم مقامها في قرارها.
والثاني: أنه لا يدخل في البيع؛ لأن اسم الشجرة لا يقع على قرارها.
فعلى هذا: إذا انقلعت الشجرة.. كان قرارها ملكًا للبائع.

.[مسألة: بيع الثمر قبل صلاحه]

إذا باع الثمرة على رؤوس الشجر مفردة قبل بدو الصلاح، أو باع زرعًا في أرض قبل بدو الصلاح، فإن شرط في البيع قطع ذلك.. قال الشيخ أبو حامد: صحّ البيع بلا خلاف؛ لأنهما يأمنان بهذا الشرط من الغرر. وإن شرطا تبقية ذلك.. لم يصح البيع بلا خلاف؛ لأن ذلك يؤدي إلى الغرر؛ لأنه لا يدري، هل يسلم ذلك، أم لا؟
وإن أطلقا العقد.. لم يصح البيع عندنا، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: (يصح البيع، ويأخذ المشتري بقطع ذلك في الحال).
دليلنا: ما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها».
وروى أنس: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي، قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: «حتى تحمر»، ثم قال: «أرأيت لو منع الله الثمرة.. بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟».
وروى أنس أيضًا: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد، ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها».
وعموم هذا يدل على أنه لا يجوز بشرط القطع ولا بغيره، فقامت الدلالة على جواز البيع بشرط القطع، وهو الإجماع، وبقي الباقي على عموم الخبر، ولأن نقل المبيع إنما يكون على حسب العادة بنقله، بدليل: أنه إذا اشترى متاعا بالليل.. فإنه لا يكلف نقله حتى يصبح، وإذا اشترى طعامًا.. لم يكلف نقله دفعةً واحدةً، بل ينقله شيئًا بعد شيء، وقد جرت العادة أن الثمار لا تنقل إلا بعد بدو الصلاح فيها، وإذا باعه ثمرة أو زرعًا قبل بدو الصلاح فيها من غير شرط القطع.. لم يأمن أن يتلف بعاهة قبل ذلك، وفي ذلك غرر من غير حاجة، فلم يصح.

.[مسألة: بيع الثمار قبل الصلاح من غير شرط القطع]

قال الشافعي في " الرسالة ": (وإن باع الثمار مع الأصول قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع.. صح البيع)؛ لما روي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من باع نخلاً بعد أن تؤبر.. فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع». ولأن الشيء قد لا يجوز بيعه مفردًا، ويجوز بيعه مع غيره على وجه التبع، كما قلنا في الحمل في البطن، واللبن في الضرع، وأساس الحيطان.